يالله قم صل ترى هاللي مشغلك مهوب نافعك !! .. تلك الجملة التي اسمعها دائماً من أبي وهو ينسف شماغه على رأسه خارجاً إلى المسجد فأجيبه مراراً بجملة: طيب طيب بقوم إن شاء الله !! ..
و ما هي الا ثواني ( محسوبة ) حتى تداهمني أمي بجلالها المنقط وهي تصرخ: قم بيخلصون من الصلاة وانت جالس عند هالمخزي الله لا يعيد اللي اخترعه !! .. فأجيبها وأنا أتظاهر بالنهوض من أمام الكمبيوتر قائلاً: يالله خلاص هذاني قمت !! .. فما أن يزول الخطر و تخرج أمي حتى أرجع إلى ما كنت عليه !! .. و لكن يبدو أني تسرعت بالإستهتار في دهاء الوالدة حيث استدارت بإحترافية ثم داهمتني متجهه إلى فيش المودم و الجلال يتطاير وراها حتى أمسكت بسلك المودم قائله: بتقوم ولا أفصله !! .. و من هنا يبدأ مشوار تسحيب الرجول إلى المسجد .. يا إلهي ما أثقله من مشوار خصوصاً إذا كان بيتك على دحديرة !!
وفي المسجد أخذت أكمل ركعاتي على عجالة بعد أن فرغ المصلين من صلاة الجماعة حتى بلغت التشهد الأخير و قدمي تترقب التفاف رأسي يساراً كي تقفز بي للخروج من المسجد .. فما إن إنتهيت من صلاتي لأشق الحشد عند الباب حتى استوقفني وقوف أحد الدعاة وهو يقرب اللاقط أو الميكرفون من فمه قائلاً: استميحكم عذراً بخمس ثواني فقط بل أقل إن تيسر ذلك !! .. فحدثتني نفسي ساخرة: أوما أقل من خمس ثواني .. شكله بينفخ في المكرفون يجربه شغال ولا لا هههههه !!
وقفت مترقباً حديث الداعية حيث اعتلت السكينة ملامحه وهو يهمس بصوت روحاني قائلاً: إستغل وجودك في الحياة !! .. بعدها أنزل الميكرفون و استدار نحو القبلة كي يصلي النافلة بينما أنا لا زلت واقفاً أتأمل التصرف الغريب لهذا الداعية الذي اكتفى بمقولة مستهلكة لا تحوي في طياتها دليلاً واحداً أو حتى موقفاً وعظياً يؤثر بالنفوس !! .. هل يعقل أنه لا يجيد فن الخطابة أم انه لا يملك من العلم الشرعي ما يدعم خطابه الديني ؟؟
قطع تساؤلي دعاء متسول يجلس بجانب الباب فوقعت عيني على أحد المتصدقين وهو يدخل يده في جيبه و يخرج منها ما تيسر من المال .. قد يكون مشهد روتيني رأيته مرات عديدة و لكن هذه المره استحكم ذهني هاجس التفكر في ذلك المتصدق كيف يستغل سريان كل قطرة دم في عروق يده ببسطها للإنفاق وهو يستحضر قول ابن القيم حيث قال رحمه الله: ( إعلم أن حاجتك إلى أجر الصدقة أشد من حاجة من تتصدق عليه إلى الصدقة ) .. فالأمر ليس مجرد مساعدته لمسكين و إنما إستغلال لسلطته على يده و طوعها لأوامره بعمل الخير قبل أن تنقلب ضده و تصبح شاهداً عليه يوم القيامة !!
هام بي الهاجس في رحاب المسجد لأرمق رجلاً وهو يستغل لسانه بالذكر و الإستغفار مستشعراً حكمة الله سبحانه و تعالى في جعل اللسان أيسر الجوارح حركة وهو العضو الوحيد الذي لا يكل ولا يمل مهما استفاض به مجهود الكلام و ذلك لتطبيق قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ) .. و قوله عزوجل: ( وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) .. كما أن الله سبحانه مدح أولي الألباب بقوله: ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ) !! .. إذن لا يزال ذلك العابد يستغل حيوية لسانه بذكر الله وهو يعلم حق المعرفة بأن اللسان ترجمان القلب و حصاد للجنة أو النار كما أن سائر الجوارح تستقيم بإستقامته بل إن النبي صلى الله عليه و سلم وعد بضمان الجنة لمن يضمن لسانه و فرجه كما في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه .. فإن لم يستغل الإنسان لسانه في الدنيا ليفوز بضمانة النبي صلى الله عليه و سلم .. فمتى سيستغله ؟؟ .. سؤال وجدت إجابته في إحدى زوايا المسجد وهي تحتضن رجل يقرأ القرآن الكريم بسكينة و وقار .. فمثل هؤلاء هم من يسعون جاهدين لإستغلال ألسنتهم فوق الأرض قبل أن تتحلل تحت الأرض و تشهد عليهم يوم العرض .. إذن جوارحنا في واقع الأمر ليست لنا بل علينا !!
عجباً لأمري كيف أتأمل مشاهد رأيتها مراراً و كأني لم أرها من قبل .. بل إن إمام المسجد كان يراقبني بريبه و لسان حاله يقول: وين لجنة التعريف بالإسلام عنه ؟؟ .. حاولت التراجع و لكن هاجس التفكر اقتحم ذهني من جديد و الندم يضع أحماله على قلبي برؤية ذلك المصلي الذي يطيل في ركوعه و سجوده و شفتاه تتأنى بالتمتمة متلذذاًَ بقراءة القرآن و التسبيح و الدعاء .. كان يصلي الصلاة ليرتاح بها لا ليرتاح منها كما كنت افعل في تثاقلي للقدوم إليها و تعجلي في أداءها !!
ربما رأيت تلك المشاهد الروحانية مراراً كما أسلفت و لكني اليوم و لأول مره أراها بقلبي لا بعيني .. فما أراه الأن هو المعنى الحقيقي للإستغلال .. إستغلال الدنيا من أجل الآخرة .. إستغلال العمر و الجوارح و المال من أجل التقرب إلى الله و إبتغاء رحمته التي وسعت كل شي .. إستغلال لا يدركه إلا العاقل كما قال الشافعي رحمه الله: ( أعقل الناس من ترك الدنيا قبل أن تتركه .. و أنار قبره قبل أن يسكنه .. و أرضى ربه قبل أن يلقاه .. فاليوم عمل بلا حساب و غداً حساب بلا عمل )
صحيح أن ذلك الداعية نطق بجملة واحدة فقط و لكنه أراد بهذه الجملة أن يصيغ في جوف كل فرد منا خطاب ديني طويل يعكس حالنا مع عبادة الله .. فهناك من زادته تلك المقولة سعياً بزيادة الإجتهاد على الأعمال الصالحة حتى أطمأن بإستعداده لبغتة الموت .. و هناك من أطرق أذنه و عقد حاجبيه كنايه عن التأثر ولكن سرعان ما ارتد إلى حاله البائس حتى إذا جاءه الموت انطبقت عليه الأية الكريمة: ( قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) .. فأي الفريقين أنا و أنت ؟ .. سؤال لا يجيبه اللسان و إنما العمل .. بل إن وقود العمل هو الخشية من ( ما بعد ) الموت كما كان يفعل الربيع بن خيثم الذي حفر قبراً داخل بيته , فكان إذا مالت نفسه للدنيا وقسا قلبه نزل في قبره , وإذا ما رأى ظلمة القبر و وحشته صاح: ( رَبِّ ارْجِعُونِ ) , فيسمعه أهله فيفتحون له .. وفي ليلة نزل قبره وتغطى بغطائه , فلما استوحش داخله نادى: ( رَبِّ ارْجِعُونِ ) فلم يسمع له أحد , وبعد زمن طويل سمعته زوجته ، فأسرعت إليه وأخرجته ، فقال عند خروجه: اعمل يا ربيع قبل أن تقول: ( رَبِّ ارْجِعُونِ ) فلا يجيبك أحد !!
هذا ما أصاغته نفسي من مقولة ( إستغل وجودك في الحياة ) .. فماذا عن صياغتك لهذه المقولة ؟ .. هل سيجعل الله كتابك في عليين بتجاوبك (العملي) مع هذه المقولة .. أم هل ستبقى على حالك تثقل بكفة السيئات على ميزانك فقط لأن هذه المقولة كانت ( مجرد ) جملة قرأتها ذات يوم بتصفح سريع دون التعمق في معناها ؟؟
فكر بمصيرك الذي ستخلد فيه لا بواقعك الذي ستفنى منه عاجلاً أم أجلاً .. لك الخيار !!
و ما هي الا ثواني ( محسوبة ) حتى تداهمني أمي بجلالها المنقط وهي تصرخ: قم بيخلصون من الصلاة وانت جالس عند هالمخزي الله لا يعيد اللي اخترعه !! .. فأجيبها وأنا أتظاهر بالنهوض من أمام الكمبيوتر قائلاً: يالله خلاص هذاني قمت !! .. فما أن يزول الخطر و تخرج أمي حتى أرجع إلى ما كنت عليه !! .. و لكن يبدو أني تسرعت بالإستهتار في دهاء الوالدة حيث استدارت بإحترافية ثم داهمتني متجهه إلى فيش المودم و الجلال يتطاير وراها حتى أمسكت بسلك المودم قائله: بتقوم ولا أفصله !! .. و من هنا يبدأ مشوار تسحيب الرجول إلى المسجد .. يا إلهي ما أثقله من مشوار خصوصاً إذا كان بيتك على دحديرة !!
وفي المسجد أخذت أكمل ركعاتي على عجالة بعد أن فرغ المصلين من صلاة الجماعة حتى بلغت التشهد الأخير و قدمي تترقب التفاف رأسي يساراً كي تقفز بي للخروج من المسجد .. فما إن إنتهيت من صلاتي لأشق الحشد عند الباب حتى استوقفني وقوف أحد الدعاة وهو يقرب اللاقط أو الميكرفون من فمه قائلاً: استميحكم عذراً بخمس ثواني فقط بل أقل إن تيسر ذلك !! .. فحدثتني نفسي ساخرة: أوما أقل من خمس ثواني .. شكله بينفخ في المكرفون يجربه شغال ولا لا هههههه !!
وقفت مترقباً حديث الداعية حيث اعتلت السكينة ملامحه وهو يهمس بصوت روحاني قائلاً: إستغل وجودك في الحياة !! .. بعدها أنزل الميكرفون و استدار نحو القبلة كي يصلي النافلة بينما أنا لا زلت واقفاً أتأمل التصرف الغريب لهذا الداعية الذي اكتفى بمقولة مستهلكة لا تحوي في طياتها دليلاً واحداً أو حتى موقفاً وعظياً يؤثر بالنفوس !! .. هل يعقل أنه لا يجيد فن الخطابة أم انه لا يملك من العلم الشرعي ما يدعم خطابه الديني ؟؟
قطع تساؤلي دعاء متسول يجلس بجانب الباب فوقعت عيني على أحد المتصدقين وهو يدخل يده في جيبه و يخرج منها ما تيسر من المال .. قد يكون مشهد روتيني رأيته مرات عديدة و لكن هذه المره استحكم ذهني هاجس التفكر في ذلك المتصدق كيف يستغل سريان كل قطرة دم في عروق يده ببسطها للإنفاق وهو يستحضر قول ابن القيم حيث قال رحمه الله: ( إعلم أن حاجتك إلى أجر الصدقة أشد من حاجة من تتصدق عليه إلى الصدقة ) .. فالأمر ليس مجرد مساعدته لمسكين و إنما إستغلال لسلطته على يده و طوعها لأوامره بعمل الخير قبل أن تنقلب ضده و تصبح شاهداً عليه يوم القيامة !!
هام بي الهاجس في رحاب المسجد لأرمق رجلاً وهو يستغل لسانه بالذكر و الإستغفار مستشعراً حكمة الله سبحانه و تعالى في جعل اللسان أيسر الجوارح حركة وهو العضو الوحيد الذي لا يكل ولا يمل مهما استفاض به مجهود الكلام و ذلك لتطبيق قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ) .. و قوله عزوجل: ( وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) .. كما أن الله سبحانه مدح أولي الألباب بقوله: ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ) !! .. إذن لا يزال ذلك العابد يستغل حيوية لسانه بذكر الله وهو يعلم حق المعرفة بأن اللسان ترجمان القلب و حصاد للجنة أو النار كما أن سائر الجوارح تستقيم بإستقامته بل إن النبي صلى الله عليه و سلم وعد بضمان الجنة لمن يضمن لسانه و فرجه كما في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه .. فإن لم يستغل الإنسان لسانه في الدنيا ليفوز بضمانة النبي صلى الله عليه و سلم .. فمتى سيستغله ؟؟ .. سؤال وجدت إجابته في إحدى زوايا المسجد وهي تحتضن رجل يقرأ القرآن الكريم بسكينة و وقار .. فمثل هؤلاء هم من يسعون جاهدين لإستغلال ألسنتهم فوق الأرض قبل أن تتحلل تحت الأرض و تشهد عليهم يوم العرض .. إذن جوارحنا في واقع الأمر ليست لنا بل علينا !!
عجباً لأمري كيف أتأمل مشاهد رأيتها مراراً و كأني لم أرها من قبل .. بل إن إمام المسجد كان يراقبني بريبه و لسان حاله يقول: وين لجنة التعريف بالإسلام عنه ؟؟ .. حاولت التراجع و لكن هاجس التفكر اقتحم ذهني من جديد و الندم يضع أحماله على قلبي برؤية ذلك المصلي الذي يطيل في ركوعه و سجوده و شفتاه تتأنى بالتمتمة متلذذاًَ بقراءة القرآن و التسبيح و الدعاء .. كان يصلي الصلاة ليرتاح بها لا ليرتاح منها كما كنت افعل في تثاقلي للقدوم إليها و تعجلي في أداءها !!
ربما رأيت تلك المشاهد الروحانية مراراً كما أسلفت و لكني اليوم و لأول مره أراها بقلبي لا بعيني .. فما أراه الأن هو المعنى الحقيقي للإستغلال .. إستغلال الدنيا من أجل الآخرة .. إستغلال العمر و الجوارح و المال من أجل التقرب إلى الله و إبتغاء رحمته التي وسعت كل شي .. إستغلال لا يدركه إلا العاقل كما قال الشافعي رحمه الله: ( أعقل الناس من ترك الدنيا قبل أن تتركه .. و أنار قبره قبل أن يسكنه .. و أرضى ربه قبل أن يلقاه .. فاليوم عمل بلا حساب و غداً حساب بلا عمل )
صحيح أن ذلك الداعية نطق بجملة واحدة فقط و لكنه أراد بهذه الجملة أن يصيغ في جوف كل فرد منا خطاب ديني طويل يعكس حالنا مع عبادة الله .. فهناك من زادته تلك المقولة سعياً بزيادة الإجتهاد على الأعمال الصالحة حتى أطمأن بإستعداده لبغتة الموت .. و هناك من أطرق أذنه و عقد حاجبيه كنايه عن التأثر ولكن سرعان ما ارتد إلى حاله البائس حتى إذا جاءه الموت انطبقت عليه الأية الكريمة: ( قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) .. فأي الفريقين أنا و أنت ؟ .. سؤال لا يجيبه اللسان و إنما العمل .. بل إن وقود العمل هو الخشية من ( ما بعد ) الموت كما كان يفعل الربيع بن خيثم الذي حفر قبراً داخل بيته , فكان إذا مالت نفسه للدنيا وقسا قلبه نزل في قبره , وإذا ما رأى ظلمة القبر و وحشته صاح: ( رَبِّ ارْجِعُونِ ) , فيسمعه أهله فيفتحون له .. وفي ليلة نزل قبره وتغطى بغطائه , فلما استوحش داخله نادى: ( رَبِّ ارْجِعُونِ ) فلم يسمع له أحد , وبعد زمن طويل سمعته زوجته ، فأسرعت إليه وأخرجته ، فقال عند خروجه: اعمل يا ربيع قبل أن تقول: ( رَبِّ ارْجِعُونِ ) فلا يجيبك أحد !!
هذا ما أصاغته نفسي من مقولة ( إستغل وجودك في الحياة ) .. فماذا عن صياغتك لهذه المقولة ؟ .. هل سيجعل الله كتابك في عليين بتجاوبك (العملي) مع هذه المقولة .. أم هل ستبقى على حالك تثقل بكفة السيئات على ميزانك فقط لأن هذه المقولة كانت ( مجرد ) جملة قرأتها ذات يوم بتصفح سريع دون التعمق في معناها ؟؟
فكر بمصيرك الذي ستخلد فيه لا بواقعك الذي ستفنى منه عاجلاً أم أجلاً .. لك الخيار !!